top of page

عثمان بن عفان رضي الله عنه (1)
24-35 هـ (2)

وكَانَ مِنْ فِتْنَتِـهِ مَا كَانَـا (3) 
قَتَلَ مَنْ يَقْصُدُ كُلَّ حَسَنَـهْ (5)

مِنَ السِّنِينَ فَأَصَابَهُ القَدَرْ (6)

وبَايَعُوا مِنْ بَعْـدِهِ عُثْمَانَـا 
بَينَ اثنتيِن وثمـانين سنـهْ (4)
وقَدْ بَقِيْ خَلِيْفَةً اِثْنَى عَشَرْ

درهم ساساني  سنة الضرب: 27هـ     مكان الضرب: نهاوند

 الوجه: صورة الملك الساساني يعلو رأسه تاج مجنح مزين بالجواهر 

كتب أمام الصورة بالخط الفهلو اسم الملك خسرو وخلف الصورة دعاء

 

الظهر: كانون النار في الوسط  يحرسها المويذان 

كتب على يمين النار اسم مدينة الضرب وعن اليسار تاريخ الضرب

(1) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب القرشي أبو عمرو ويقال أبوعبدالله، وأبوليلى (الكامل في التاريخ 3/74)، (تاريخ الخلفاء 165).

 

 

(2) بويع رضي الله عنه بالخلافة – على الأرجح – لثلاث مضين من المحرم سنة 24 للهجرة - (الكامل في التاريخ 2/475)، (تاريخ الخلفاء 171)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 499).

 

وكـان قـتـلــه رضــي الله عـنـــه – على الأرجح - لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين يوم الجمعة (الكامل في التاريخ3/68)، (تاريخ الخلفاء 180)، (تاريخ خليفة بن خياط 176)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 520).

 

(3) فـي البـداية وقـبـل الـخـوض فـي تـلـك الفتنة، لابد مـن بـيـان الـحـق الأبـلـج، وهو أن عثمان رضي الله عنه كـان على الحق؛ وأنه قتل مظلوماً، إلا أنها وكما قيل «فتنه» أي أمر تمت فيه الدسائس و التلبيسات حتى يغطي باطلها كل الحق على كثير من الناس إلا من ابتدأ وانطلق بمثل ما نبدأ به من التأصيل، ذلك أن النبي  الصادق المصدوق الذي لايـنـطــق عـن الـهـوى إن هو إلا وحي يوحى، أخبر في صحيح الأحاديث أن عثمان رضي الله عنه على الحق، ويقتل مظلوماً، وأنه شهيد.

 

فقد روى البخاري في المناقب برقم 3699 عن أَنَس رضي الله عنه قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ  أُحُدًا؛ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ؛ فَـرَجَـفَ، وَقـَالَ: اسْـكُـنْ أُحُـدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ. ورواه الترمذي في المناقب وأبوداود وأحمد.

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3701 وصححه الألباني عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ   بِأَلْفِ دِينَارٍ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَيَنْثُرُهَا فِي حِجْرِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْـتُ النَّبِيَّ   يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَـسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ورواه أحمد.

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3703 وصححه الألباني عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ. قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا؛ فَكَأَنَّهُمَا جَمَلانِ؛ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ. قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ؛ فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؛ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي؛ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ؛ حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ؛ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؛ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي؛ فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ؛ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا؛ فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ؛ قَالَ: فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ؛ وَقَالَ: اسْكُنْ ثَبِيرُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلاثًا. قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُثْمَانَ. ورواه النسائي في الإحباس برقم 3608.

 

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3704 وصححه الألباني عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ؛ وَفِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ  ؛ فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ؛ فَقَالَ: لَوْلا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  ؛ مَا قُمْتُ، وَذَكَرَ الْفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوْبٍ، فَقَالَ: هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى. فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ‍ قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. ورواه ابن ماجة في المقدمة وأحمد. 

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3705 وصححه الألباني عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ: يَـا عُثْمَانُ، إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا؛ فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلا تَخْلَعْهُ لَهُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. ورواه ابن ماجة في المقدمة وأحمد.

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3708 وصححه الألباني عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ   فِتْنَةً فَقَالَ: يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا مَظْلُومًا لِعُثْمَانَ. قَالَ أَبو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. ورواه أحمد.

 

 

وروى البخاري في المناقب برقم 3698 عن عُثْمَانُ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ ؟ فَقَالُوا: هَؤُلاءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ؛ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي؛ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ.‍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ؛ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ: فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ: فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ   وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  : إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ: فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ؛ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ  عُثْمَانَ؛ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  بِيَدِهِ الْيُمْنَى : هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ؛ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ؛ فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ. ورواه الترمذي في المناقب وأحمد.

 

وروى البخاري في المناقب برقم 3695 عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ النَّبِيَّ  دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ؛ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ؛ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ؛ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ؛ فَإِذَا عُمَرُ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ؛ فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ. قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ عَاصِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ  كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدِ انْكَشَفَ عنْ رُكْبَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتِهِ؛ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا. رواه مسلم في فضائل الصحابة والترمذي وأحمد.

 

وروى الترمذي في المناقب برقم 3708 وصححه الألباني عن أَبُي سَهْلَةَ قَالَ: قَالَ عُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا؛ فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ. قَالَ أَبو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ.ورواه ابن ماجة وأحمـد.

 

 

قلـت: هـذه بـعض فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيها معجزة من معجزات النبي  في إخباره ببعض الأمو الغيبية التي أطلعه الله عليها، وقد سقت من أحاديث فضل عثمان رضي الله عنه ما هو غيض من فيض خشية الإطالة، إلا أن المقصود من ذلك كله أن تعلم أخي العزيز أن عثمان رضي الله عنه شهيد وقتل مظلوماً فإذا كان على الحق والهدى؛ لم يبق لمن خالفه سوى الزيغ والضلال والعياذ بالله.

 

وأختصر ماحصل في عهده من الفتنة؛ فأقول: إن أسباب الفتنة وحيثياتها مبسوطة في مواضعها من الكتب الموثوقة؛ وأرى أن سردها هنا لا يكون إلا بأحد أمرين: إما الاختصار المخل؛ أو التطويل الممل. لذا آثرت أن أحيل القارئ الذي يطلب الاستزادة إلى كتاب من أوثق الكتب في هذا الموضوع وأشدها اختصاراً وتركيزاً في نفس الوقت ألا وهو كتاب العواصم من القواصم للإمام القاضب أبي بكر ابن العربي؛ والكتاب قد اعتنى به وحققه وعلق عليه مجموعة من العلماء الأجلاء هم الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله؛ والأستاذ محمود مهدي الاستانبولي و الدكتور محمد جميل غازي رحمه الله.

 

وأنقل هنا فقط آخر الفتنة وقصة مقتل عثمان، قال ابن الأثير: قيل: في هذه السنة (خمس وثلاثين) كان مسير من سار من أهل مصر إلى ذي خشب؛ ومسيرة من سار من أهل العراق إلى ذي المروة، وكان سبب ذلك أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء أمه سوداء؛ وأسلم أيام عثمان ثم تنقل في الحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة ثم بالشام يريد إضلال الناس فلم يقدر منهم على ذلك فأخرجه أهل الشام؛ فأتى مصر فأقام فيهم وقال لهم: «العجب ممن يصدق أن عيسى يرجع ويكذب أن محمداً يرجع وقـد قـال الله عز وجل:  إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد (القصص85) محمدٌ أحق بالرجوع من عيسى «فوضع لهم الرجعة فقبلت منه. 

 

ثم قال لهم بعد ذلك: «إنه كان لكل نبي وصي وعلي وصي محمد، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله  ووثب على وصيه، وإن عثمان أخذها بغير حق؛ فانهضوا في هذا الأمر وابدؤا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس «وبث دعاته؛ وكاتب من استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وصاروا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيب ولاتهم، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا بذلك الأرض إذاعة فيقول أهل كل مصر: «إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء» إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ فقال: «لا والله؛ ما جاءني إلا السلام، وأنتم شركائي وشهود المؤمنين. فأشيروا عليَّ» . قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعون إليك بأخبارهم. فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبدالله ابن عمر إلى الشام، وفرق رجالاً سواهم فرجعوا جميعاً قبل عمار فقالوا: ما أنكرنا شيئاً أيها الناس ولا أنكر أعلام المسلمين ولا عوامهم.

 

وتأخر عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل؛ فوصل كتاب من عبدالله بن أبي السرح يذكر أن عماراً قد استماله قوم وانقطعوا إليه منهم: عبدالله بن السوداء؛ وخالد بن ملجم؛ وسودان ابن حمران؛ وكنانة بن بشر، فكتب عثمان إلى أهل الأمصار «أما بعد فإني آخذ عمالي بموافاتي كل موسم؛ وقد رفع إلي أهل المدينة أن أقواماً يشتمون ويضربون؛ فمن ادعى شيئاً من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو من عمالي؛ أو تصدقون فإن الله يجزي المتصدقين» فلما قرئ في الأمصار بكى الناس؛ ودعوا لعثمان وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه من الموصل: عبدالله بن عمار؛ وعبدالله بن سعد؛ ومعاوية؛ وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص وعمرواً، فقال: ويحكم ما هذه الشكاية والإذاعة؛ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم؛ وما يعصب هذا إلا بي . فقالوا له: ألم تبعث ؟ ألم يرجع إليكم الخبر عن العوام؟ ألم يرجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء؟ والله ما صدقوا؛ ولا بروا؛ ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً ؛ ولا يحل الأخذ بهذه الإذاعة. فقال: أشيروا علي . فقال سعيد: هذا أمر مصنوع يلقى في السر فيتحدث به الناس؛ ودواء ذلك طلب هؤلاء؛ وقـتـل الذين يخرج هذا من عندهم، وقال عبدالله ابن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم.

 

وقال معاوية: قد ولَّيْتَني فَوَلِيْتُ قومي ولا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتهما، والرأي حسن الأدب. وقال عمرو: أرى أنك قد لنت لهم؛ ورخيت عليهم؛ وزدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريق صاحبيك فتشتد في موضع الشد وتلين في موضع اللين. فقال عثمان: «قد سمعت كل ما أشرتم به علي؛ ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كان، وإن بابه الذي يعلق عليه ليفتحن، فنُكَفْكِف باللين والمواتاة إلا في حدود الله، فإن فتح فلا يكون لأحد عليه حجة، وقد علم الله أني لم آل الناس خيراً وإنَّ رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها. سَكِّنُوا الناس، وهَبُوا لهم حقوقهم، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تداهنوا فيها» .... وقال معاوية لعثمان: اخرج معي إلى الشام فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فقال: لا أبيع جوار رسول الله  بشيء؛ وإن كان فيه خبط عنقي؛ قال: إن بعثت إليك جنداً منهم يقيم معك لنائبةٍ إن نابت؟ قال: لا أضيق على جيران رسول الله  . فقال: والله لتُغْتَالَنَّ و لتُغْزَيَنَّ. فقال: حسبي الله ونعم الوكيل …. واتعد المنحرفون عن عثمان يوماً يخرجون فيه بالأمصار جميعها إذا سار عنها الأمراء؛ فلم يتهيأ لهم ذلك.

 

ولما رجع الأمراء ولم يتم لهم الوثوب؛ صاروا يكاتبون في القدوم إلى المدينة لينظروا فيما يريدون، ويسألوا عثمان عن أشياء لتطير في الناس، وكان بمصر محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة يحرضان على عثمان. فلما خرج المصريون خرج فيهم عبدالرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة وقيل: في ألف.. وعليهم جميعاً الغافقي بن حرب العكي، وخرج أهل الكوفة.. وعليهم جميعاً عمرو بن الأصم، وخرج أهل البصرة.. وهم بعداد أهل مصر وأميرهم حرقوص بن زهير السعدي، فخرجوا جميعاً في شوال، وأظهروا أنهم يريدون الحج، فلما كانوا من المدينة على ثلاثٍ؛ تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب؛ وكان هواهم في طلحة، وتقدم ناس من أهل الكوفة؛ وكان هواهم في الزبير ونزلوا الأعوص، وجاءهم ناس من مصر وكان هواهم في علي؛ ونزلوا عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد ابن النضر وعبدالله بن الأصم؛ وقالا لهم: «لاتعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد لكم؛ فقد بلغنا أنهم عسكروا لنا، فوالله إن كان هذا حقاً واستحلوا قتالنا بعد علم حالنا إن أمرنا لباطل، وإن كان الذي بلغنا رجعنا إليكم بالخبر» .قالوا: اذهبا، فذهبا، فدخلا المدينة فلقيا أزواج النبي  وعلياً وطلحة والزبير؛ فقالا: «إنما نريد هذا البيت ونستعفي من بعض عمالنا» ، واستأذناهم في فكلمهما أُبي ونهاهما، فرجعا إلى أصحابهما؛ فاجتمع نفر من أهل مصر فأتوا علياً ؛ ونفر من أهل البصرة فأتوا طلحة؛ ونفر من أهل الكوفة فأتوا الزبير، وقال كل فريق منهم: إن بايَعَنَا صاحبنا وإلا كذبناهم وفرقنا جماعتهم، ثم رجعنا عليهم حتى نبغتهم. فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت متقلداً سيفه؛ وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلموا عليه؛ وعرضوا عليه؛ فصاح بهم وطردهم وقال: «لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وجيش ذي خشب؛ والأعوص؛ ملعونون على لسان محمد  «فانصرفوا عنه، وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك؛ وكان قد أرسل ابنيه إلى عثمان، وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك؛ وكان قد أرسل ابنه عبدالله إلى عثمان.

 

فرجعوا وتفرقوا عن ذي خشب وذي المروة والأعوص إلى عسكرهم ليتفرق أهل المدينة ثم يرجعوا إليهم، فلما بلغوا عسكرهم تفرق أهل المدينة فرجعوا بهم فلم يشعر أهل المدينة إلا والتكبير في نواحيها؛ ونزلوا وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. وصلى عثمان بالناس أياماً ولزم الناس بيوتهم؛ ولم يمنعوا الناس من كلامه. وأتاهم أهل المدينة وفيهم علي فقال لهم: ما ردكم بعد ذهابكم؟ فقالوا: أخذنا مع بريد كتاباً بقتلنا. وأتى طلحة الكوفيين فسألهم عن عودهم فقالوا مثل ذلك، وأتى الزبير البصريين فقالوا مثل ذلك، وكل منهم يقول: نحن نمنع إخواننا وننصرهم، كأنما كانوا على ميعاد. فقال لهم علي: «كيف علمتم يا أهل الكوفة ويا أهل البصرة بما لقي أهل مصر وقد سرتم مراحل حتى رجعتم علينا هذا والله أمر أبرم بليل. 

 

فقالوا ضعوه كيف شئتم، ولا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزل عنا، وعثمان يصلي بهم، وهم يصلون خلفه، وهم أدق في عينه من التراب، وكانوا لا يمنعون الناس من الاجتماع… ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم المدينة خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: «يا هؤلاء: الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد  ، فامحوا الخطأ بالصواب» . فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك. فأقعده حكيم بن جبلة، وقام زيد بن ثابت فأقعده محمد بن أبي قتيرة، وثار القوم بأجمعهم، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجـد، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فأدخل داره واستقتل نفر من أهل المدينة مع عثمان منهم سعد ابن أبي وقاص؛ والحسين بن علي؛ وزيد بن ثابت؛ وأبوهريرة.

 

فأرسل إليهم عثمان يعزم عليهم بالانصراف فانصرفوا، وأقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته ويشكون إليه ما يجدون، وكان عند عثمان نفر من بني أمية فيهم مروان بن الحكم فقالوا كلهم لعلي: أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع، والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا. فقام مغضباً وعاد هو والجماعة إلى منازلهم، وصلى عثمان بالناس بعدما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوماً، ثم منعوه الصلاة، وصلى بالناس أميرهم الغافقي، ودان له المصريون والكوفيون والبصريون، وتفرق أهل المدينة في حيطانهم؛ ولزموا بيوتهم؛ لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليمتنع به، وكان الحصار أربعين يوماً ؛ ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح. قال الإمام السيوطي: أخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال: قلت لسعيد ابن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان؟ وما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد  ؟ فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً، ومن خذله كان معذوراً، فقلت: كيف كان ذلك؟ قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة، لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وكان كثيراً ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله  صحبة، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد  ، وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، وذلك في سنة خمس وثلاثين، فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وما أشرك معهم (أ).

 

وأمرهم بتقوى الله فولى عبدالله بن أبي السرح مصر فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه و يتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من عثمان هناة إلى عبدالله بن مسعود، وأبي ذر، وعمار بن ياسر فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود، وكانت بنو غفار وأحلافها و من غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر، وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي السرح، فكتب إليه كتاباً يتهدده فيه، فأبى ابن أبي السرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل، فنزلوا المسجد، وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي السرح بهم، فقام طلحة بن عبيدالله فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت عائشة رضي الله عنها إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب محمد  وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت؟ فهذا قد قتل منهم رجلاً فأنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إنما يسألونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا قبله دماً، فاعزله عنهم واقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه، فقال لهم: اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر، فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر، فكتب عهده وولاه، وخرج معهم عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فخرج محمد ومن معه.

 

فلما كان على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطاً كأنه رجل يَطْلُب و يُطْلَب، فقال له أصحاب محمد  : ما قصتك وما شأنك؟ كأنك هارب أو طالب، فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين، وجهني إلى عامل مصر، فقال له رجل: هذا عامل مصر، قال ليس هذا أريد، وأُخبر بأمره محمد بن أبي بكر، فبعث في طلبه رجلاً، فأخذه، فجاء به إليه، فقال: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، حتى عرفه رجل أنه لعثمان، فقال له محمد: إلى من أرسلت؟ قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة، قال: معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه كتاباً، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل، فحركوه ليخرج، فلم يخرج، فشقوا الإداوة، فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي السرح.

 

فجمع محمد من كان عنده من المهاجرين و الأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل في قتلهم، وأَبطِل كتابه، وقَرَّ على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إليَّ يتظلم منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شـاء الله تعـالى فلما قرأوا الكتاب فزعوا وأزمعوا فرجعوا إلى المدينة ، وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه، ودفع الكتاب إلى رجل منهم، وقدموا المدينة، فجمعوا طلحة، والزبير، وعليـاً، وسعدا ومن كان من أصحاب محمد  ، ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام وأقرؤوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر حنقاً و غيظاً، وقام أصحاب محمد  فلحقوا بمنازلهم، ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما قرأوا الكتاب، وحاصر الناس عثمان سنة خمس وثلاثين.

 

وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير و سعد، وعمار ونفر من الصحابة كلهم بدريٌّ، ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب، والغلام، والبعير، فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم، قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به، ولا علم لي به، قال له علي: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عليه خاتمك لا تعلم به؟ فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به، ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط، وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، وشكوا في أمر عثمان وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد  من عنده غضاباً، وشكوا في أمره، وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل، إلا أن قوماً قالوا: لن يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه، ونعرف حال الكتاب، وكيف يأمر بقتل رجل من أصحاب محمد  بغير حق ؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، ولزموا بيوتهم، وأبى عثمان أن يُخرج إليهم مروان، وخشي عليه القتل، وحاصر الناس عثمان، ومنعوه الماء، فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا، قال: أفيكم سعد ؟ قالوا: لا، فسكت ثم قال: ألا أحد يبلغ علياً فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك علياً.

 

فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه، فبلغ علياً أن عثمان يراد قتله، فقال: إنما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فـلا تدعا أحداً يصل إليه، وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عـدة مـن أصحاب رسول الله  أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان، فلمـا رأى ذلك الناس رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بالدماء على بابه.

 

وأصاب مروان سهم وهو في الدار، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشي محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنة، فأخذ بيد الرجلين فقال لهما: إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما نريد، ولكن اذهبوا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم به أحد، فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان ولا يعلم أحد ممن كان معه، لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت، ولم يكن معه إلا امرأته، فقال لهما محمد: مكانكما فإن معه امرأته حتى أبدأكما بالدخول، فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه، فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال له عثمان: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه، وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما كان في الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل، فدخل الناس فوجدوه مذبوحاً، وبلغ الخبر علياً، وطلحة، والزبير، وسعداً، ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان، فوجدوه مقتولاً.

 

فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير، وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله وجاء الناس يهرعون إليه، فقالوا له: نبايعك فمد يدك فلا بد من أمير، فقال علي: ليس ذلك إليكم وإن ذلك إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى علياً، فقالوا له: ما نرى أحد أحق بها منك؟ مد يدك نبايعك، فبايعوه، وهرب مروان وولده، وجاء علي إلى إمرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه رجلان لا أعرفهما ومعهما محمد بن أبي بكر، وأخبرت علياً و الناس بما صنع محمد، فدعا علي محمداً فسأله عما ذكرت امرأة عثمان؟ فقال محمد:لم تكذب، قد والله دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكرني أبي فقمت عنه وأنا تـائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت امرأته: صدق ولكنه أدخلهما. (تاريخ الخلفاء 175-178)، (تاريخ خليفة بن خياط 168-176)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 512-520).

 

(4) وكان عمره – على الأرجح - اثنتين و ثمانين سنة (الكامل في التاريخ 3/69)، (تاريخ الخلفاء 180)، (تاريخ خليفة بن خياط 177).

 

(5) أي أن القاتل لم يخرج من هذه الدنيا بحسنة واحدة. 

 

(6) وكانت خلافته رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً وقيل إلا ثمان أيام (الكامل في التاريخ 3/69)،

(تاريخ الخلفاء 180)، (تاريخ خليفة بن خياط 177)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 520).

 

أ. قلت: وقد بقي  رضي الله عنه خليفةً اثنا عشر عاماً، الست الأوائل منها ليس فيه شيء من الفتنة، و في الست الأواخر بدأت الفتنة، وقد ذكر هذا التحديد غير واحد من علماء التاريخ والحديث، قال احافظ ابن حجر (الفتح 13/214) : فإن ابتداء الطعن فيه إلى أن آل الأمر إلى قتله كان بعد ست سنين مضت من خلافته. أ.هـ. وبنحوه في (البداية والنهاية 7/189).

  • YouTube
  • Facebook Clean Grey
  • Twitter Clean Grey
  • Grey Instagram Icon
bottom of page