top of page

أبو بكر الصديق رضي الله عنه (1)
11 - 13 هـ (2)

عَمْدَاً أبو بكرٍ أبو قُحَـافَـةِ
مُسْتَنْصِرَاً باللهِ جَـلَّ وَحْدَهْ (3)
قَدْ مَاتَ مُخْلِصَاً و سَار سَنَنَهْ

معَ ثلاثةٍ شُهُورٍ تَمَّتِ (4)​

وبَعْـدَهُ بُويِـعَ بَالخِـلافَـةِ
وقامَ بالحَزْمِ بِيـومِ الـرِدَّهْ
بعدَ ثلاثٍ ثمَّ سِتِّينَ سَنَهْ

وسَنتينِ ظَلَّ في الخِلافَةِ

درهم ساساني - خسرو  سنة الضرب: 21هـ     مكان الضرب: نهاوند​

الوجه: صورة كسرى ويعلو رأسه تاج مجنح مزين بالجواهر

نقش على يمين الصوره اسم كسرى (خسرو) وعلى يسار الصوره نقش دعاء

 

 الظهر: صورة النار وحولها الحارسان

نقش على يمين الصوره مدينة الضرب وعلى يسار الصوره تاريخ الضرب

(1) هو أبو بكر عبدالله وقيل عتيق – والأصح أن لقبه عتيق- ابن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيِّم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن النضر بن مالك يجتمع مع النبي  في مرة بن كعب (الكامل في التاريخ 2/268)، (تاريخ خليفة بن خياط 100)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 419).

 

قال السيوطي: والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقاً لقب له لا اسم، ولقب عتيقاً من النار.. وقيل لعتاقة وجهه أي حسنه و جماله، وقيل لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب.

 

قال مصعب بن الزبير: وغيره: وأجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر إلى تصديق الرسول ، ولازم الصدق، فلم تقع منه هناة ما، ولا وقفة في حال من الأحوال، وكانت له في الإسلام المواقف الرفيعة منها قصته يوم ليلة الإسراء، وثباته، وجوابه للكفار في ذلك، وهجرته مـع رسـول الله  وتـرك عيـاله و أطفاله، وملازمته في الغار وسائر الطريق.

 

ثم كلامه يوم بدر ويوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر في تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله  : (إن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ) ثم ثباته يوم وفاة رسول الله  وخطبته الناس و تسكينهم، ثم قيامه في قضية البيعة لمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته في بعث جيش أسامة بن زيد إلى الشام، ثم قيامه في قتال أهل الردة ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل -كما سيأتي- ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر رضي الله عنه وتفرسه فيه ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذي هو حسنة من حسناته وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام وإعزاز الدين وتصديق وعد الله تعالى بأنه يظهره على الدين كله، وكم للصديق من مناقب و مواقف وفضائل لا تحصى؟ هذا كلام النووي أ.هـ. (تـاريـخ الـخلفاء 35-36). قلت: وجمع المصحف.

 

(2) توفي النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم لم يُجمع في مصحف واحد مكتوب، وإنما كان متفرقاً في الصدور والألواح ونحوها من وسائل الكتابة، حيث لم تكن ثمة دواع في حياته صلى الله عليه وسلم استدعت جمع القرآن في مصحف واحد. 

وبعد أن تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان هناك من الأسباب والبواعث، التي دفعت الصحابة رضي الله عنهم إلى القيام بجمع القرآن في الصحف. 

 

وكان من أولى تلك الدوافع لحوق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، الذي ترتب عليه انقطاع الوحي، فكان ذاك المصاب الجَلَل من البواعث المهمة التي دفعت الصحابة لجمع القرآن.

ثم كانت واقعة اليمامة التي قُتل فيها عدد كبير من الصحابة، وكان من بينهم عدد كبير من القراء، مما دفع عمر رضي الله عنه إلى أن يذهب إلى أبي بكر ويطلب منه الإسراع في جمع القرآن وتدوينه، حتى لا يذهب القرآن بذهاب حفاظه. وهذا الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه، بعد أن تردد في البداية في أن يعمل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن وقعة اليمامة كانت من أهم الأحداث التي حملت الصحابة على تدوين القرآن، وحفظه في المصاحف. 

 

وقد دلت عامة الروايات على أن أول من أمر بجمع القرآن من الصحابة، أبو بكر رضي الله عنه عن مشورة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن الذي قام بهذا الجمع زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقد روى البخاري في «صحيحه» عن زيد رضي الله عنه أنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ -أي اشتد وكثر- يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا إن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن، قال أبو بكر: قلت لعمر كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. رواه البخاري. 

 

والذي عليه أكثر أهل العلم أن أولية أبي بكر رضي عنه في جمع القرآن أولية خاصة، إذ قد كان للصحابة مصاحف كتبوا فيها القرآن أو بعضه، قبل جمع أبي بكر، إلا أن تلك الجهود كانت أعمالاً فردية،لم تظفر بما ظفر به مصحف الصديق من دقة البحث والتحري، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حد التواتر، والإجماع عليها من الصحابة، إلى غير ذلك من المزايا التي كانت لمصحف الصديق رضي الله عنه. 

 

ولك أخي الكريم أن تسأل: لماذا وقع اختيار أبي بكر على زيد بن ثابت لجمع القرآن الكريم دون غيره من الصحابة؟ وفي الإجابة نقول: إن مرد ذلك يرجع إلى أسباب منها: 

 

- أنه كان شاباً يافعاً، وهذه الصفات تؤهله للقيام بمثل هذا العمل الصعب، كما أن الشاب لا يكون شديد الاعتداد برأيه، فعند حصول الخلاف يسهل قبوله النصح والتوجيه. 

- أن زيداً كان معروفاً بوفرة عقله، وهذا مما يؤهله لإتمام هذه المهمة.

- أن زيداً كان يلي كتابة الوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شاهد من أحوال القرآن ما لم يشاهده غيره. 

- أنه لم يكن متهماً في دينه، فقد كان معروفاً بشدة الورع والأمانة وكمال الخلق والاستقامة في الدين. 

- أنه كان حافظاً للقرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان حفظه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفق العرضة الأخيرة، فقد رُوي أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن، قال أبو عبد الرحمن السلمي: قرأ زيد بن ثابت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وإنما سُميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت، لأنه كتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمد عليه أبو بكر وعمر في جمع القرآن، وولاه عثمان كتابة المصاحف. 

 

وقد شرع زيد في جمع القرآن من الرقاع واللخاف والعظام والجلود وصدور الرجال، وأشرف عليه وعاونه في ذلك أبو بكر وعمر وكبار الصحابة، روى عروة بن الزبير، قال: لما استحرَّ القتل بالقراء يومئذ، فرِقَ أبو بكر على القرآن أن يضيع -أي خاف عليه- فقال لعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. قال ابن حجر : رجاله ثقات مع انقطاعه.

وبهذه المشاركة من الصحابة أخذ هذا الجمع للقرآن الصفة الإجماعية، حيث اتفق عليه الصحابة، ونال قبولهم كافة، فجُمِعَ القرآن على أكمل وجه وأتمه.

 

ونختم هذا المقال بما رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: رحمة الله على أبي بكر، كان أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف، وهو أول من جمع بين اللوحين، قال ابن حجر: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يُعدُّ في فضائله، ويُنوِّه بعظيم منقبته، لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) رواه مسلم. ثم قال: فما جمع أحد بعده إلا كان له مثل أجره إلى يوم القيامة.

 

وهكذا فإن الله سبحانه قد هيأ لحفظ قرآنه رجالاً حفظوه وحافظوا عليه، تصديقاً لقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9) وكان أبو بكر على رأس هؤلاء الرجال الذين اختارهم الله للقيام بهذه المهمة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا وإياه في مستقر رحمته، إنه سميع الدعاء.

 

بويع رضي الله عنه بالخلافـة يوم الثلاثاء – 13 ربيع الأول سنـة 11 للهجـرة– (الكامل في التاريخ 2/195) (تاريخ الخلفاء 77-80)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 424).

 

 

وتـوفـي رضي الله عنه لثمان ليـالٍ بقيـن مـن جـمادى الآخرة ليلة الثلاثاء - سنة 13 للهجرة - وهو ابن ثلاث و ستين سنة، وهو الصحيح (الكامل في التاريخ 2/267)، (تاريخ الخلفاء 93)، (تاريخ خليفة بن خيـاط 121) وزاد: ولا يختلـف فـي سِنِّه.

 

قال الإمام النووي: روى الصديق عن رسول الله  مائة حديث و اثنين وأربعين حديثاً، وسبب قلة روايته، مع تقدم صحبته وملازمته النبي  أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها أ.هـ. (التهذيب 13/43-44 ).

 

قلت: وذلك أنه رضي الله عنه ما كان ينطق إلا بالفيصل الحاسم الذي يوجه الأمة عند الافتراق ويحجهم به فيعودوا إلى الحق بإذن الله، فمن ذلك اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في أن الخلافة في قريش، و موضع دفن النبي  ، وميراثه  ، وأمر الردة، وإنفاذ جيش أسامة، وجمع القرآن وغيرها و مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..الخ

 

(3) ارتدت العرب ومنعوا الـزكـاة. فـقـال أصحاب رسول الله  لأبي بكر رضي الله عنه: اقبل منهم.

فقال رضـي الله عـنــه: لـو مـنعـونـي عـقـالاً مـمـا أعـطـوا رسـول الله  لقاتلتهم. (تـاريـخ خليفـة بن خـيـاط 101)، (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 429). 

 

(4) وكانت خلافته رضي الله عنه سنتين و ثلاثة أشهر و عشر ليال (الكامل في التاريخ 2/267)، (تاريخ خليفة بن خياط 122).

 

وقال ابن حبان: توفي ليلة الأثنين لسبع عشرة خلت من جمادى الآخرة، وله يوم مات اثنتان وستون سنة. وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر و اثنان وعشرون يوماً (السيرة النبوية وأخبار الخلفاء 456).

 

  • YouTube
  • Facebook Clean Grey
  • Twitter Clean Grey
  • Grey Instagram Icon
bottom of page