top of page

 

 

الحمد لله رب العالمين؛ والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد؛ فإن التاريخ الإسلامي كنز عظيم؛ ومورد جسيم؛ فيه العظة والموعظة؛ والقصة و الحادثة؛ والعبرة والعابرة، فيه أخبار الأولين السابقين؛ وكيف دارت عليهم الأعوام والسنين. وقد قص الله تبارك وتعالى علينا في القرآن الكريم؛ ونبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ قصصاً لبني إسرائيل وغيرهم من الأمم والقرون؛ وكان مدار ذلك كله الاعتبار والاتعاظ والاستفادة من أخبار المهتدين ومن أخطاء المخطئين؛ يقول الله تبارك وتعالى:  لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولي الأَلْبابِ  يوسف111؛ وقال:  هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ ديارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجوا وَظَنّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبوا وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبونَ بُيوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَأَيْدي الْمُؤْمِنينَ فاعْتَبِروا يا أولي الأَبْصارِ الحشر2.

 

فالمراد من ذكر قصصهم أن نعتبر منها فأما من فعل حسناً ولقي حسناً فإنه يدفعنا إلى الفعل الحسن؛ وأما من فعل قبيحاً ولقي مثله فإنه يدفعنا إلى الابتعاد عن كل ما هو قبيح.

 

ولقد تفنن المؤرخون في العرض. فمنهم من شمل التاريخ كله كابن كثير حين كتب البداية والنهاية (أي منذ بداية الخلق إلى انتهاء زمانه) ثم كتب خاتمة الكتاب نهاية البداية والنهاية (أي انتهاء الدنيا بعلامات الساعة الخ). ومن العلماء من كتب مؤرخاً لفترة معينة من الزمان؛ ويدخل في ذلك كتب السيرة النبوية، ومنهم من اقتصر في كتابته التاريخ على تاريخ الخلفاء فقط؛ ومنهم من اقتصر على تاريخ الخلفاء والملوك دون غيرهم..الخ.

 

ومنهم من كتب التاريخ شعراً وأغلبهم نثراً. ومنهم من كتب عبر التاريخ استقراءً كابن خلدون في مقدمته العظيمة.

 

و بين يديك الآن كتاباً سهلاً سلساً، بعيداً عن التعقيد و التطويل، فيه الكثير من الإشارات والنكات؛ وجميل الاستطرادات، نظمه المؤلف رحمه الله شعراً ؛ فجاء في 200 بيت من الشعر. لانت له الكلمات حتى تُخرج معنىً في صدره؛ وانتظمت له المعاني فأفصحت عن غزير علمه، فما قرأت كتاباً من كتب التاريخ المطولات كابن كثير وابن الأثير وابن جرير وغيرهم إلا وألفيته يسبقني إلى الكلمات فيسطرها في شعره.

ولولا أن اختصاره المدهش هو سر الرغبة إليه؛ وأنه أشار إلى ذلك بقوله:

 

 

 

 

 

 

 

 

لولا ذلك لوقفت عند الكثير من المعاني في طيات هذه الأبيات؛ ولتوسعت في أهم أعمال كل خليفة منهم؛ ومحاسنه وسيئاته وأهم أحداث عصره. ولكن من المعلوم أن التطويل يورد التنفير. فأحلت دائماً إلى أهم المراجع بصفحاتها حتى نسهل على القارئ.

 

وقد اقتصرت على التبويب؛ وتحديد المرجع ورقم الصفحة لكل صـغيرة وكبيرة؛ كما أدرجت في ثنايا الحواشي بعض التعليقات التي رأيت في ذكرها ضرورة. كما توسعت شيئاً ما في تفاصيل بعض الحوادث لاسيما فتنة ومقتل عثمان وعلي والتتار وغيرها من المواضع التي يمكن أن يعود إليها القارئ عند الحاجة. كما قمت بضبط تشكيل الأبيات والبحث في خفايا معاني بعضها مما لا يخلوا من طرف ونوادر.

 

 

ومن باب الفائدة وإذكاء العلم والتشويق، ولكي يعيش القارئ في خيال ذلك الزمن، وضعت صور مقتنيات النبي صلى الله عليه وسلم من شعر رأسه الشريف ولحيته الشريفة ونعله وبردته ولوائه وختمه بالإضافة إلى سيوف الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ثم عرضت صورا للفن الإسلامي في الخط والنقش والبناء والفخار والسجاد والزخارف الإسلامية المختلفة. ثم خطر ببالي إضافة صور العملات والمسكوكات المستخدمة في عهد كل خليفة على حده، فدعوت العالم الجليل الفاضل إبراهيم جابر الجابر للمشاركة في هذا العمل فلبى الدعوة برحابة صدر فازداد هذا الكتاب علماً ورونقاً وفائدةً وتشويقاً فله مني كل التحية والتقدير، ثم عرضت الكتاب على العالم الفاضل الشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي وهو أخ وصديق منذ أيام الدراسة الثانوية والجامعية فتفضل مشكورا بقرائته وقام بتقديمه إلى القرّاء، فله مني كل التحية والتقدير على تزكيته وتقديمه للكتاب.

 

وبقي أن أنوه إلى أصحاب الفضل في اخراج هذا الكتاب بدءاً بابن العم الأخ الفاضل / أحمد بن محمد الغنام البوعينين الذي أهداني صورة من نسخة قديمة للكتاب والعم الفاضل الدكتور / عبدالرحمن بن علي البوعينين الذين بعثا في نفسي الحماس للعمل على إخراجها. وكذلك الخال الفاضل / أحمد بن منصور البوعينين شقيق المؤلف رحمة الله عليهما حيث أمدني بالمعلومات اللازمة في ترجمة المؤلف رحمه الله؛ كما أمدني بمصورات من مؤلفات الشيخ رحمه الله. علماً بأن صلة القرابة وطيدة بيني و بين المؤلف رحمه الله فهو خال والدي عليه رحمة الله ووالدي ابن عمه عليهما رحمة الله تعالى.

 

وفي الختام يسرني ويسعدني كثيراً التواصل مع القراء للمناقشة والتعديل إن وجد ما يستحق التعديل من إضافة وحذف، رجوعاً إلى الحق وابتغاءً لما عند الله تعالى، فإن أصبت فمن الله سبحانه وتعالى، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، والكمال لله وحده سبحانه وتعالى.

مُختصرًٍا تاريخَ كُلِّ الخلفا

خَشيَة أن يَسأَمَ منهُ القارِي

فَعَنَّ أَنْ أَنْهَلَ مِن عذبٍ صَفَا
ذكرتُ ما أَهَمَّ بِاخْتِصَــارِ

د. خالد بن محمد بن علي البوعينين

bottom of page